حملة شعبية واسعة لدعم رئيس الوزراء سالم بن بريك في معركته ضد الإعاشة بالدولار (تقرير)

حملة شعبية واسعة لدعم رئيس الوزراء سالم بن بريك في معركته ضد الإعاشة بالدولار (تقرير)
السدة نيوز - خاص

تشهد الساحة اليمنية منذ أيام حراكاً غير مسبوق على منصات التواصل الاجتماعي، وحالة من الاصطفاف الشعبي والإعلامي خلف رئيس الوزراء الأستاذ سالم صالح بن بريك، بعد موقفه الجريء الداعي إلى إيقاف صرف كشوفات الإعاشة الشهرية بالدولار للمسؤولين والمستفيدين المقيمين في الخارج. 

هذا الملف الذي ظل لسنوات طويلة حديث الشارع وموضع تندر وغضب شعبي تحول فجأة إلى قضية رأي عام تتصدر النقاشات، بعد أن قرر رئيس الوزراء رفع الغطاء عنها في مواجهة ما وصفه ناشطون بـ"الثقب الأسود" الذي يلتهم العملة الصعبة.

كشوفات الإعاشة: ثقب أسود يلتهم العملة الصعبة:

منذ سنوات طويلة، أصبحت ما يعرف بـ"كشوفات الإعاشة" أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في اليمن.

فقد خُصصت هذه المبالغ بالدولار كمساعدات شهرية لآلاف الأشخاص، من مسؤولين حكوميين سابقين وحاليين، ومستشارين، ودبلوماسيين، وإعلاميين، وحتى أقاربهم وذويهم، يقيمون في عواصم عدة مثل القاهرة، الرياض، وإسطنبول.

وفق مصادر مطلعة، يتجاوز عدد المستفيدين 5000 شخص، بينهم نحو 3000 مقيم في مصر فقط، يتقاضى بعضهم 10 آلاف دولار شهرياً.

هذا ما وصفه ناشطون بأنه نزيف قاتل للعملة الصعبة في بلد يعيش أزمات متفاقمة، حيث لا يجد كثير من المواطنين قوت يومهم، فيما تنفق هذه الأموال في مطاعم القاهرة وكافيهات إسطنبول، على حد وصف الناقدين.

فتحي بن لزرق: جريمة مكتملة الأركان:

الصحفي البارز فتحي بن لزرق كان من أوائل من فجّر النقاش عبر منشور لاقى تفاعلًا واسعًا، قال فيه: "حان وقت رفع الصوت عالياً للمطالبة بوقف صرف كشوفات الإعاشة الشهرية بالدولار الخاصة بالمسؤولين الذين يعيشون خارج اليمن.
من يريد راتباً فعليه أن يعود إلى اليمن ويتسلمه بالريال اليمني ووفق سلم الأجور. مش مخارج معك، الله معك، الباب يفتح جمل.
كل دولار يتم صرفه لأكثر من خمسة آلاف شخص دون عمل جريمة مكتملة الأركان بحق شعب لا يجد قوت يومه."

كلمات بن لزرق مثلت شرارة دفعت موجة الغضب الشعبي لتتوسع، وأعطت للقضية طابعاً أخلاقياً واضحاً: "لا يمكن أن يُترك الشعب للجوع فيما تُهدر الملايين على حساباته الخاصة."

من جهته، شدد الناشط عامر ثابت العولقي على أن القضية لم تعد مطلبًا شخصياً لرئيس الوزراء، بل تحولت إلى مطلب شعبي جامع يقف خلفه اليمنيون بمختلف انتماءاتهم. 
وقال إن الشعب كله يقف مع بن بريك ولن يسمح بعرقلة هذه الإصلاحات أو دفع رئيس الوزراء إلى الاستقالة، بل هو مستعد للنزول إلى الشارع دفاعًا عن هذه الخطوة الإصلاحية. 
هذه الرسالة عكست حجم الغضب الشعبي من استمرار هذه المخصصات، وأبرزت استعداد المجتمع للتحول من الدعم الافتراضي إلى الضغط الواقعي.

غضب واستعداد للنزول إلى الشارع:

وفي الاتجاه ذاته شدد الناشطان غسان طالب العولقي وحسين عمر بامدهاف على أن الشارع لن يسمح بعرقلة هذه الخطوة، مؤكدين أن الشعب يقف مع بن بريك ولن يتركه وحيدًا في مقارعة الفاسدين، وأنه مستعد للنزول إلى الشارع إذا لزم الأمر. كلماتهم جاءت انعكاساً لحالة من الغضب الشعبي الذي لم يعد يحتمل مزيداً من المساومات أو التسويف.

الكاتب ياسر محمد الأعسم ذهب أبعد من ذلك في توصيفه لهذه الكشوفات، إذ وصفها بأنها عصابة حقيقية، وقال إن آلاف الأسماء وملايين الدولارات تصرف لهم كإعاشة من لحم الشعب ودمه. واعتبر أن هذا الكشف هو صورة مصغرة لدولة بأكملها تحولت إلى عصابة تنهب اليمنيين منذ سنوات. 
الأعسم لم يكتفِ بالتوصيف، بل فضح تفاصيل عن طبيعة المستفيدين الذين وصفهم بأنهم خليط من الانتهازيين والسياسيين والدبلوماسيين والإعلاميين وحتى المتسكعين في شوارع العواصم، معتبراً أن الشعب وحده هو الغائب عن هذه القوائم، إذ يقبع في كشف الفقر والمعاناة، مؤكداً أن المعركة الحقيقية اليوم هي معركة الشعب خلف بن بريك حتى ينتصر وتسقط منظومة الإعاشة.


حملة إلكترونية واسعة:

ومع تصاعد هذه المواقف، أطلق ناشطون حملة إلكترونية واسعة حملت هاشتاقات متعددة من بينها #مع_بن_بريك و #لا_للفساد و #عصابة_الإعاشة، وتحوّل النقاش على منصات التواصل من مجرد جدل إلى حملة منظمة تطالب بإجراءات ملموسة واتفق المشاركون على أن هذه الأموال المهدورة كان يمكن أن توجه لدعم العملة المحلية أو تمويل مشاريع خدمية يحتاجها الشعب.

إجماع شعبي لأول مرة:

اللافت في هذه الحملة أنها جمعت طيفاً واسعاً من الأصوات، فلم تقتصر على تيار سياسي بعينه، ولا على منطقة محددة، بل شملت صحفيين وكتاباً وناشطين ومواطنين عاديين يعانون من ارتفاع الأسعار وانهيار الخدمات والأهم أنها وجدت صدى لدى الرأي العام الذي وجد نفسه لأول مرة أمام مطلب إصلاحي جامع، يتفق حوله المختلفون والمتخاصمون على السواء.

هذه القضية التي انفجرت فجأة تحولت إلى معيار جديد لقياس جدية الإصلاحات في اليمن. فالمواطنون الذين سئموا من الخطابات الفضفاضة وجدوا في خطوة رئيس الوزراء فرصة حقيقية للبدء بمعركة إنقاذ الاقتصاد، فيما بدت القوى السياسية في مأزق، إذ لم يعد من الممكن تبرير استمرار هذه الكشوفات أو الدفاع عنها في وجه غضب شعبي عارم.

إنها المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي يتفق فيها الشارع اليمني على مطلب واحد، يرى فيه حجر الأساس لبناء إصلاح اقتصادي حقيقي. وإذا كان بن بريك قد اختار مواجهة هذه المنظومة، فإن الشعب هذه المرة يقف خلفه قلباً وقالباً، في مشهد يعكس إجماعاً غير مسبوق على أن لا إصلاح بلا محاربة الفساد، ولا مستقبل للاقتصاد من دون إغلاق ثقوب الهدر التي استنزفت البلاد.