#الطيف_المسافر

#الطيف_المسافر


فتحي بن لزرق

احد اغرب القرارات التي رأيتها في حياتي كان القرار الصادر عن رئاسة مجلس النواب “المهاجر”، والذي قضى بتشكيل لجان نزول الى المحافظات لتفقد سير عمل المؤسسات الحكومية.
تخيل ان مجلساً لم يعقد جلسة فعلية منذ اكثر من عشر سنوات، ويقيم غالبية اعضائه خارج البلاد، يقرر فجأة ان يفتش على مؤسسات حكومية لم يزرها منذ عقد، ولا يعرف شيئا عن طبيعتها، او موظفيها، او واقعها، او حتى شكل بواباتها!
لعمري، ما رأيت اوقح من قرار كهذا.
اشخاص يعيشون مع اسرهم في عواصم العالم منذ سنوات، يزورون البلاد بين عام وآخر لاسابيع معدودة، ثم يقررون ان يشكلوا لجان رقابة ومتابعة!
اخبرني يا هذا، حين تجلس مع مدير مؤسسة حكومية، ماذا ستقول له؟
كيف ستنظر في عينيه، وانت القادم من المهجر، لا تحمل حتى نسخة من تقرير او مستند؟
كيف ستقيم عمل جهة حكومية، وانت واسرتك لا تتأثرون بخدماتها من قريب او بعيد؟
ماذا لو سألك احد مدراء هذه المؤسسات عن محل سكنكم؟ هل تصل المياه الى بيوتكم وهل يقطع النور عنها مثل بقية هذا الشعب المكلوم؟
اي وطن هذا الذي تتفقد مؤسساته من دون ان تكون قد عشت همه، او شاركت ناسه، او شعرت بمعاناتهم؟
اي مراجعة هذه، وانت تراجع جيبك لتتأكد من تذكرة عودتك القريبة؟
ربما تصلح هذه اللجان لتقييم مطعم في اسطنبول، او مقهى في البطحاء، او مجمع تجاري في القاهرة، لكن مؤسسات الناس هنا؟ لا.
لا والف لا..
هذه مسرحية سمجة ..
ثم بالله عليك، كيف ستراجع اداء مؤسسة ما، وانت بعد ايام قليلة ستغادرنا الى وجهتك المفضلة، وتترك خلفك وطنا مثقلا بالخذلان؟
اي سخرية قدر هذه؟
واي مهزلة يعيشها الشعب، حين تسند الرقابة الى من لا يعرف شيئا عن الداخل؟
اي لعنة حلت بنا حتى يتولى امرنا من غاب عنا عقدا كاملا؟
اللعنة؟
ليست عليكم.
بل علينا وعلى هذا الشعب الذي مات منذ زمن، وقبل ان تُحاصر جثته بهذا الطيف المسافر.