سيف من سيوف الله

سيف من سيوف الله

بقلم: م. لطفي بن سعدون الصيعري

بعيدًا عن أهواء الدنيا ودهاليزها الفانية، وهروبًا من قذارات السياسة ونفاق السياسيين، وفي ظل الأجواء الإيمانية التي تحيط بنا في هذا الشهر الكريم المبارك، وجدنا الفرصة الطيبة لقراءة القرآن وسير الصحابة الكرام والقادة العظام للفتوحات الإسلامية، الذين أوصلوا رسالة الإسلام المنيرة إلى كل بقاع الدنيا، من الصين شرقًا وحتى الأطلسي غربًا، ومن روسيا وأوروبا والأندلس شمالًا وحتى بحر العرب جنوبًا.

ودخلت شعوب هذه الأصقاع في دين الله أفواجًا طواعيةً وبدون إكراه، بعد أن قام جند الإسلام بإسقاط قياصرة وأكاسرة وحكام وقيادات الإمبراطوريات الطاغية، وجندلوا الملايين من العلوج الكفرة المجوس والصليبيين والملحدين، في ساحات الوغى في أقل من 30 عامًا من الهجرة النبوية.

فلقد شهد التاريخ الإسلامي في حياة النبي ﷺ وبعد وفاته قادة عظامًا وبالآلاف، كان لهم أثر كبير وقدم راسخة في الدعوة إلى الله، ونشر دينه، وقد اشتهر أمرهم وتواتر فضلهم لدى المسلمين على مر العصور، حتى صار ذلك أمرًا مسلمًا به وبديهيًا. 

وفي مقالنا هذا، سنختار من هؤلاء القادة سيرة الصحابي الجليل والقائد العسكري الإسلامي الفذ، خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، الذي عُرف ببطولته وشجاعته قبل الإسلام وبعده، حتى خصه رسول الله ﷺ بميزة ربما كانت أشرف مكرمة وأعظم تزكية في حياته كلها، فقال عنه ﷺ: "سيف الله المسلول"، والذي لم يُكسر قط، بعد أن خاض أكثر من 100 معركة وموقعة في سبيل الله، بدءًا من فتح مكة ومرورًا بحروب الردة ثم فتح الحيرة ومدن العراق وتدمير جيوش فارس المجوسية، ثم تدمير جيوش الروم الصليبية في اليرموك ومدن الشام، وحتى آخر معركة خاضها في مدينة (الرها) في أرمينيا (تركيا حاليًا).

ويُعتبر خالد بن الوليد شخصيةً عسكرية محنكة، وقائدًا مغوارًا في الحروب، لم يُهزم في أي معركة خاضها، وله انتصارات عظيمة في أكثر من مائة معركة وموقعة، وعُرف فيها بالشجاعة والإقدام، والذكاء الحربي، وحسن الحيلة، والقدرة على التنظيم، والبراعة في التنفيذ والمناورة.

ونسب الصحابي الجليل هو: خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بن يقظة بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، ويكنى بأبي سليمان، وأمه لبابة بنت الحارث، أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وكان إسلامه قبل فتح مكة، في السنة الثامنة للهجرة.

وفي قمة عطائه وانتصاراته العسكرية، وخوفًا من أن يُفتتن المسلمون به، قام الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعزله عن العمل العسكري كاملًا، وفي هذا يقول الفاروق: "إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فُتنوا به، فخفت أن يُوكلوا إليه ويُبتلوا به. فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة."

ولقد تقبّل سيف الله هذا العزل بصدر رحب وبإيمان المؤمن القوي، واحتسب أمره إلى الله.

وقد توفي خالد بحمص عام 21 هـ / 642 م، عن عمر يناهز الـ 55 عامًا حسب بعض الروايات، ولخالد بن الوليد جامع كبير في حمص، ويُزعم أن قبره فيه.

ورُوي أن خالد قال على فراش موته:
"لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء."

رضي الله عنك يا أبا سليمان، وجزاك الله عن مليارات المسلمين في أصقاع الأرض الأجر والثواب. اللهم احشرنا في زمرتهم.

وإلى لقاء آخر في سيرة أخرى لقائد إسلامي آخر بإذن الله.