سيف من سيوف الله (2)

سيف من سيوف الله (2)


 قائد القادسية سعد بن أبي وقاص

بقلم : م. لطفي بن سعدون الصيعري. 


بعد الهزائم المتلاحقه التي حققها جنود الإسلام بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه ضد علوج المجوس في العراق، اعادت الامبراطورية الساسانية ترتيب جيوشها واوضاعها السياسية، وتوحيد قيادتها تحت حكم يزدجرد ، وجمعت جيشا ضخما لدحر المسلمين من العراق، قوامة يقارب ٢٤٠ الفا بكامل قوته وعتاده.  وضمَّ إليه خِيرةَ رجال الفرس العسكريِّين، وأسند قيادته إلى «رستم»؛ الذي شرَع  في إعداد خطَّة عسكرية لضرْب الوجود الإسلامي في العراق. ولما
 علم أميرُ المؤمنين عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- باجتماع كلمة الفرس على يزدجرد وتتويجه ملكًا عليهم، وعلم أيضًا بعزْم قيادتي الفُرْس السياسية والعسكرية على حرْب المسلمين، وطرْدهم من العراق، والتصدِّي للدعوة الإسلامية، أدرك خطورةَ الموقف وأبعاده،  فقرَّر عمر بن الخطاب مناجزةَ الفُرْس، ومنازلتهم في لقاء عسكري حاسِم، يُنهي الوجود السياسي والعسكري للفرس في العراق، ويُمكِّن الدعوة الإسلامية من الوصول إلى الناس في العراق بأمْن وسلام. فأعلن عمر حالةَ الاستنفار العام في جزيرة العرب، وذلك لإعداد جيش إسلاميٍّ كبير، فكتب إلى أمراء البلدان، ورؤساء القبائل في جزيرة العرب «يأمرهم ألا يَدَعُوا أحدًا له سلاحٌ أو فَرَس، أو نجدة أو رأي، إلاَّ انتخبتموه، ثم وجهتموه إليَّ، والعَجَلَ العَجَل».
وتجمع لدي الخليفة عمر جيش قوامه  قريبًا من ستة وثلاثين ألفًا، منهم ثلاثمائة من الصحابة، منهم بِضعة وسبعون من أهل بدر، وسَبْعمائة من أبناء الصحابة، وعدد مِن أعلام العرب وقادتهم وفرسانهم، ويُعدُّ جيش المسلمين في «القادسية» أكبرَ جيش عبَّأه المسلمون لفتْح بلاد العراق. وأمر عليهم الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص .
وكانت معركة القادسية في عام ١٣ هج، الموافق ٦٣٦ م  وجرت بعد هزيمة علوج الروم، في معركة اليرموك بثلاثة أشهر فقط، وامتدت لأربعة أيام من ١٦ الى ١٩ نوفمبر ، وفي هذه المعركة سحقت جموع المجوس ال ٢٤٠ الفا ، وقتلت كل قياداتهم، رستم والجالبنوس والهرمزان وبهمن جاذويه وغيرهم، و بعدها توالت هزائم الفرس باسقاط عاصمتهم المدائن ، ثم بقية مدن فارس ، وسحقت امبرطورية فارس وغابت عن الوجود.
وفي مقالنا هذآ سنستعرض سيرة  قائد معركة القادسية الفذ كما يلي:
ولد سعد ابن ابي وقاص في عام 23 ق.هـ أو 27 ق.هـ، 595 أو 599م في مكة.
ونسبه هو سعد ابن اي وقاص مالك بن وُهَيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وكان من أوائل من أسلم، حيث كان سابع سبعة في الإسلام، أسلم بعد ستة، وقيل بعد أربعة، وكان إسلامه قبل أن تُفرَض الصلاة، وهو ابن تسع عشرة سنة، وقيل سبع عشرة سنة،  وجاء في سبب إسلامه أنه رأى رؤيا تحثه على الإسلام؛ فعن ابنته عائشة أنه قال:  (رأَيت في المنام، قبل أَن أُسلم، كأَني في ظلمة لا أَبصر شيئًا إِذ أَضاءَ لي قَمَر، فاتَّبعته، فكأَني أَنظر إِلى من سبقني إِلى ذلك القمر، فأَنظر إِلى زيد بن حارثة، وإِلى علي بن أبي طالب، وإِلي أَبي بكر، وكأَني أَسأَلهم: متى انتهيتم إِلى هاهنا؟ قالوا: الساعة، وبلغني أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يدعو إِلى الإِسلام مسْتخفيًا، فلقيته في شِعْب أَجْيَاد، وقد صلَّى العصر، فأَسلمت، فما تَقَدَّمني أَحد إِلا هم.      ) 
وكان من اوائل المهاجرين إلى المدينة المنورة، وشهد غزوة بدر وغزوة أحد وثَبُتَ فيها حين ولَّى الناس، وشهد غزوة الخندق وبايع في الحديبية وشهد خيبر وفتح مكة، وكانت معه يومئذٍ إِحدى رايات المهاجرين الثلاث، وشهد المشاهد كلها مع النبي، وكان من الرماة الماهرين،
 وكان أحد الفرسان الذين كانوا يحرسون النبي في مغازيه، وفي غزوة أحد يقول
«رَأَيْتُ عَنْ يَمِينَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ.»
 وثبت يومَ أُحُد مع النبي حين ولّى النّاس، كان من الرماة في ذلك اليوم، حتى أن الزهري قال: «رمى سعد يوم أُحد أَلف سهم.» فكان النبي يقول له: «ارم فداك أبي وأمي»،
وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة،  وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله،  وهو من أخوال النبي، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده.
وهو مستجاب الدعوة فعن سعد قال قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَهُ إِذَا دَعَاكَ.)
وقد إعتزل سعد الفتنة، فبعد مقتل عثمان بن عفان، طالبه ابنه عمر بن سعد أن يدعو لنفسه بالخلافة فرفض، وكان سعد ممن قعد ولزم بيته في الفتنة، فلم يحضر موقعة الجمل ولا موقعة صفين ولا التحكيم، وأمر أهله ألا يخبروه من أخبار الناس بشيء حتى تجتمع الأمة على إمام .
وكان سعد رضي الله عنه آخر المهاجرين وفاةً، ولمَّا حضرَتْه الوفاةُ دعا بخلَق جبةٍ له من صوف، فقال: «كفّنوني فيها، فإنّي كنت لقيتُ المشركين فيها يوم بَدْر وهي عليّ، وإنما كنت أَخبؤها لذلك.»، فكانت وفاته في عهد معاوية بن أبي سفيان سنة خمس وخمسين،  ومات في منزله بالعقيق على بعد عشرة أميال من المدينة، فحُمل إلى المدينة على رقاب الرجال، وصلّى عليه هناك، وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة.
تلك هي سيرة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه،  وحشرنا في زمرته. والى لقاء اخر مع سيف آخر من سيوف الله .