عائداً من صنعاء
عبدالله بارشيد
قرابة عشر سنوات أو أكثر فصلتني عن آخر زيارة لهذه المدينة التي يتغنى بحبها معظم اليمنيين وكثيراً من العرب وأكاد أكون مثلهم غير أنني لا أدري سر هذا الحب ... وليس المقام هنا لتفسير ذلك أو الخوض فيه ، وما أردت قوله أني رأيت العاصمة تعيش فقراً مدقعا ، تحس بها كشريفة مس شرفها أو كاد ينتهك ، على واجهات جدرانها شعارات وألوان وصور تشعر أنها لاتنتمي لها وأصوات لم تألفها ، تسير في شوارعها وطرقاتها وأزقتها وأنت تشعر انك تسير و سط جيش من المعوزين ومدينة مليئة بشعب أملق بينما يحيى ويتنفس بينهم من يتجشئ ذهباً قد بخل حتى بأنفاسه عمن حوله ، تسير فيها وتسمع الصرخات المصطنعة تخرج من حناجر وصدور تكاد تأن تنبئك بأنها همسات مكبوتة ممن تسمع همساتهم التي تضج بالشكوى مما يجري لهم ظلم وقهر وإذلال حين يجأرون إلى الله من ظلم من يدعون بأنهم أنصاره ، تسمع شكوى من يأمن جانبك أن هنا حكاماً متخمون من امتصاص أموال ودماء وكد من يحكمونهم ، وحين تسأل عمن مكن هؤلاء من رقابنا ؟ بأي سبيل؟ وأي قوة جاؤا وبقوا ولازالوا؟ وبأي إمكانات تمكنوا؟ لاتجد إجابة شافية غير أنك تؤمن بأن هذه جولة للباطل يمتحن الله بها صبر وإيمان اليمانيين .
والدليل جهل وتخلف وسذاجة هؤلاء إلا من شيء من الخبث ومكر اللئام ، فلا علم ولاحلم ولامشروع ، لارأفة ولا لين ولاحب وطن، ولا أمانة ولاحزم تؤهلهم لقيادة وطن واستحلال ثغر الجميلة صنعاء، ولكن الحقيقة التي لا أنكرها أن غالب من تقابلهم في نقاط التفتيش يهشون ويبشون لك (كحضرمي) فقط وقد أدركت سر هذا بأنه يعود لميزة أغلب أبناء حضرموت الذين ينؤن بأنفسهم عن الفجور في الخصومة ويعود كذلك لبقايا كرم وطيبة نفس العسكري اليماني التي تبقى في أعماقه والذي يخجل بها أن يمس ضيف لم يرى منه سوء ولهذا غالباً ما تسمعها عندما أعرف أحدهم بعنواني : (والله أطيب ناس . .... تفضل) ، هناك في رحلتي لم التقي ولم أصل لمن هم من ذوي أصل فكرة وحراس حاكمي صنعاء ، بقدر ما اقتربت من سائق التاكسي والتاجر البسيط والقريب المستوطن أيقنت بعد سماع حكاياتهم أن هؤلاء القوم قد ابتلى بهم اليمانيين ومثلهم تماماً من يحكم عدن ليكون ظلمهم وعسفهم وتجبرهم معيار اختبار لليمنيين لفترة من الزمن ليرى بهم الله من يسقط ومن يثبت ،
من يسقط في عقيدة الخرافة
ومن يسقط في حب وشهوة السلطة
ومن يسقط في الاستهانة بحرمة الدماء
ومن يسقط في شهوة المال الحرام
ومن يسقط أمام إرهاب القوة ومن ... ومن وكذلك من يثبت عاضا بالنواجذ على إيمانه صابرا على البلاء والقلة وحتى عذاب وسجون الظالم المتغلب مضحياً من أجل دينه ووطنه لايبيع ولايبتاع منتظرا في صبر انتصار الخير والحق والعدل متمنيا شرف المشاركة في نصرته .