إتفاقات الصراع باليمن.. هناك منطق واحد دائما !
محمد الثريا
يتزايد الحديث اليوم عن عقد إتفاق رياض جديد مع تزايد الرغبة لدى المجتمع الدولي وحاجة الداخل اليمني إلى وقف القتال الدائم ودخول الأطراف المتصارعة في مفاوضات تسوية سياسية شاملة لحل النزاع بينها .
وهنا سيتكرر السؤال الأهم بجميع تفرعاته، هل من المنطق إبرام إتفاق سياسي بين طرفي الشرعية والحوثيين بناء على وقائع الأرض الراهنة، هل يبدو منطقيا الدفع بالشرعية اليمنية نحو شراكة سياسية مع جماعة مسلحة دونما تحييد قدرتها العسكرية المتفوقة والإستفادة من ورقة القرارات الدولية في تحجيمها سياسيا؟ ما مصير مثل هكذا إتفاق يستند إلى واقع مشوه ويقوم على أرضية هشة وبنية غير متوازنة؟
من حيث المبدأ، لايختلف أثنان في ضرورة دعم أي إتفاق سياسي طالما سيوفر الحاجات الإنسانية المطلوبة منه ويضع نهاية جادة للحرب الدائرة منذ سنوات، غير أن ذلك المبدأ لايلقي حق التعبير عن مخاوف عدة لازالت تتجلى ويعجز حتى اللحظة إتفاق "ضرورة سياسية" عن تبديد ولو جزء مهم منها .
في جميع الأحوال، يبدو أن رغبة عقد الإتفاق الوافدة ستمضي ومعها ستمضي الآمال والمخاوف بشان مرحلة جديدة تدلف اليها البلد، وكما سيبقى واقع تلك الآمال معلقا بنوايا طرفي الإتفاق ورعاته فإن حقيقة المخاوف خاصته ستظل حاضرة ومتجددة بفعل ما آلت إليه إتفاقات الرياض السابقة والمنطق الذي يتوارى خلف كومة بنودها في كل مرة؛ وبعيدا عن لغة التشاؤم أو تناولات النظرة السلبية كما قد يفهم البعض تصوري لمثل تلك التحولات الدراماتيكية في ملف الصراع فأنه أجدني هنا مجبرا بالفعل في إعادة حديث سابق لتأكيد صحة تلك المخاوف وأهمية ما أشير إليه في بطن هذا المقال :
في كتابه " أركيلوجيا المعرفة " يقول الفيلسوف ميشال فوكو : ( تخيل أنك ترى نفسك في حلم وأنك مصنوع من الزجاج، وعندما تقترب من عمود، تتجنبه حتى لاتنكسر ) .
معنى هذا انه حتى في الحلم، حتى في الجنون، هناك منطق .
أظننا هنا لسنا بحاجة تأكيد واقع الجنون الذي تعيشه المناطق المحررة منذ صبيحة تحريرها وحتى اليوم .
إذ يكفي وقوفك فقط أمام مشهد ( فارق القيمة الشرائية للعملة اليمنية بين شمال الحوثي وجنوب التحالف والشرعية ) لإدراك حقيقة الجنون الضارب بداخل هذه الازمة، غير ان السؤال الذي لم يفارقني يوما بحسب ما يتخيله فوكو في كتابه هو :
أين يتوارى منطق الجنون لكل سنوات الصراع باليمن؟
وكيف يبرر التحالف أزمات الجغرافيا المحررة الواقعة تحت سيطرته منذ ثمان سنوات؟
مناطق نفوذ الشرعية اليمنية المدعومة من التحالف لم تنفك في الخروج من أزمة حتى تدلف لأخرى ..ما منطق ذلك؟
ثمة خلل !
ثمة حلقة مفقودة هنا !
لكن في الواقع يبدو ان ثمة منطق يفسر جميع الاحداث التي وقعت وتقع ..!
تحتاج قيادة التحالف العربي إلى رياح قوية ( جنون أخر ) لتحريك المشهد السريالي ( واقع الجنون الموجود أصلا )، منطق تغليف الفشل والعبث الحاصل .
بات واضحا منذ مدة توجه قطبي التحالف في سياسة (نقل المعارك وإشعال الحرائق) مواراة لفشلها في إدارة الصراع .
وفي رأيي ! أنه لم يكن أفضل بالنسبة لهما طيلة الفترة الماضية من التخفي وراء شماعة "إتفاق الرياض 1" والصراع المنبثق جراء عرقلة تنفيذه كمثال لتلك السياسات .
الخلافات المستجدة بداخل مجلس القيادة الرئاسي عقب خطوة تشكيله المدعومة بقوة، وتأكيد أطرافه المتباينة إلتزامها نصوص إتفاق الشراكة السياسية الجديد " إتفاق الرياض 2 " ليست سوى إحدى رياح الجنون بداخل مشهد سريالة الإتفاق المترنح، وللأسف تزعم الشقيقة كما في مشهد إتفاق الرياض 1 المتعثر "أن هذا منطق" .
والأن، هل تعتقد أن "إتفاق الرياض 3" المحتمل من شأنه أن يقدم منطقا أخر يختلف عن منطق الاتفاقات السابقة لاسيما وأنه ينبثق عن وقائع حرب لاتختلف كثيرا عن وقائع سابقيه أن لم تكن أكثر تعقيدا منها؟
فكرتي هنا بسيطة وهي " أن المدخلات تحدد المخرجات"، أي أن الإتفاقات التي تكون مدخلاتها قوى فوضوية ووقائع عبثية لايمكن لها سوى أن تؤول إلى مخرجات أكثر فوضوية وعبثية ولو حملت مسميات متطلبات السلام ومقتضيات حل الصراع، ذلك أن الخارج لايبحث بالأساس إلا عن مثل ذلك الواقع وتلك البيئة لضمان ديمومة حضوره بالداخل، ولعله السبب الأوضح في فهم منطق الاتفاقات السياسية التي يرعاها الخارج بتلك النمطية قبالة كل مرحلة من مراحل تحوير الصراع اليمني وليس حله فعليا كما يعلم الجميع .