معول بناء!

معول بناء!
صورة من الأرشيف

هدى اليزيدي

عتادُ الأمم، محاكة للزمان والمكان، حيوات لا تنتهي، بوصلة الوعي، طريق موصل للنهضة، أن تقرأ تَرْجَمَتُهُ أن لا يخدعك أحد، فالقراءة هي محور ارتكاز الفكر، وأولُ أمر قد أقره رب السماء (اقرأ باسم ربك الذي خلق)،فلفظة اقرأ هي فعل أمر مبني على السكون وفاعله مستتر تقديره أنت، أي إنك أنت من يُوجّه إليكَ الأمر. 

اقرأ كل ما وقعت عينيك عليه وابحث عما لم تقع عينيك عليه بعد، وكل حبرٍ أستُخدم في بناء هيكل أيما كتاب، فالقراءة ليست مخصصة بل إنما هي شمولية الوجود. فالكتب حملة الحضارة، محركات التغيير، أوعية الثقافة ،ونوافذ مفتوحة على العالم ومنارات منتصبة في بحر الزمن. 

يتأجج العقل بعدة أسئلة.. عن ماهية القراءة؟ متى نقرأ؟ لم نقرأ؟ كيف نقرأ؟ لمن نقرأ؟ هل هي هواية أم هوية؟
ليس السؤال متى تقرأ، بل السؤال الحق  كيف تخلق وقتاً للقراءة ،هي ليست من تحتاجك لتقرر لك وقتاً للجلوس معها منفرداً بل أنت من تبحث عن الفرص لأجلها، للتقرب منها، لمجالستها ،لتعطيك متسعاً من رحابتها. 


هل نقول كما قال العقاد (لأن حياة واحدة لا تكفيني) في سؤاله لمن نقرأ؟ أم نقول شغف البحث عن المعرفة، والبحث عن المجهول، واتساع الرؤى، وبلورة الفكر، والتنقيب عن الخَلْقِ الآخر المدفون فينا. وتتدحرج كفة أخرى أأقرأ كما قال العتوم(اقرأ حتى يشيب الغراب)،استوقفتني لفظة "حتى يشيب الغراب" ويأتي السؤال هل يشيب الغراب؟ أي شمول هذا؟ ويكأنما يقول اقرأ كل شيء ولكل أحد وكل حبرٍ خُطّ على ورق،أن تكون القراءة  كجواز سفر يجب أن يحمله كل مسافر، فبها ينقد المرء ويفكّ رموز الأحداث التي تحدث في عالمه،توصلك إلى الجوهر المخبى داخل الكتب،عندئذٍ ستقرأ مابين السطور لتصل لأوج الحقيقة.


وإذ بي قد سألتُ صديقاً ما عن سبب قراءته فقد قال(ألف جوابٍ لهذا السؤال.. يختلف من شخصٍ لآخر، لكن أنا أقرأ لأتغير، لأني أؤمن أنه لاشيء يغير الإنسان مثل القراءة..أقرأ ليتسع أفق تفكيري وأرى الحياة بمنظور مختلف، أفهم وأناقش وأمتلك معرفة وخبرة وتجارب لملايين الأسخاص.. القارئ حي والذي لايقرأ ميت) 
فالقراءة ليست رفيقاً للتسلية، فنقول هل هي هواية! ضع ألف خط تحت هواية. "القراءة لازمة!لازمة!"أساس يجب على الإنسان أن يبنيه داخله، أن يستقرفي منصف روحه  وأن تكون قرينة بعقله، لاتنتظر الصدفة لتحملك إليها،بل عليك أن تحمل نفسك إليها؛اخلق المعجزة للقياها...

إذن لِمَ؟ الرياضيون يمارسون الرياضة؟!

مرونة القراءة ليس بأمرٍ هين فهي كمارثون رياضي له محطات، هل جربت أن تكون رياضياً! كيف يكون اليوم الأول؟ لقد جاء على لسان أحد الرياضيين أن اليوم الأول كصدمة للجسد، ويتلقى من التشنجات والتعب الكثير وأيضاً تغييراً لفسيلوجية النظام الذي تعود عليه منذ حين، تتكالب عدة مشكلات في الأيام الأولى، لكن لِمَ يكمل شيء يؤلمه!
بعلمه المسبق أن بالتدريج كل شيء سيختلف ستصبح هذه الرياضة دفاعاً له وحماية لجسمه، والحصول على جسد رياضي ذو كفائة.. لكن كل هذا مع الوقت! 
وكذلك القراءة قد تتثاوب في الصفحة الأولى، قد يشوبك الملل، قد تغلق الكتاب سراعاً، وقد تشعر بصدمة. لكن مع الوقت، كل هذا سينقلب رأساً على عقب! هذه القراءة ستكون مناعة لك كالصفائح البيضاء ضد فيروسات الجهل وفقر المعرفة وتهميش الفكر. 

وكما قال الفيلسوف فولتير: 
_سُئلت عمن سيقود الجنس البشري ؟
_ فأجبت: الذين يعرفون كيف يقرؤون.