مهرجان للنفاق..
محمد عمر
يكاد المرء يجزم أن معظم ما ينشر من كتابات هي من تأليف أشخاص تعرضوا للأذى وليس من الذين تسببوا به.
فهذا شاعر انفطر قلبه حين تفاجأ بخيانة حبيبته فبث حزنه من خلال قصيدة.
وهذه رواية لفتاة طُعنت في ظهرها بكيد صاحبتها.
وتلك مجموعة قصصية لأخرى لم تكن تتخيل أنها مجرد نزوة عابرة لوحش بشري شبع منها واختفى وكانت تخاله حبيبا.
وذلك شاب يلفظ الآن كلماته الأخيرة في ورقة ممزقة، ويلعن العالم قبل أن يقفز من شرفة العمارة، بعد أن ضاقت به الدنيا قهرا وخذلانا.
وقس على ذلك قصصا وحكايات لا تحصى، ستجد القاسم المشترك أن جميعها صيغت بأنامل الطرف الخاسر المتضرر.
كل من عزم أن يكتب خصوصا عن العلاقات الاجتماعية لا نراه يفصح إلا عن ما أصابه، فلا تقوى يده أبدا على الكتابة عن ما اقترفته من أذى بحق الآخرين.
لماذا لا نرى مؤلفات وقصائد وتدوينات لشجعان يبوحون بخطاياهم للملأ؟
متى ستتضمن مذكرات الرؤساء والمسؤولين حين يغادرون مناصبهم، اعترافات يقرون فيها كم كانوا جشعين ومستبدين، ويسلمون بحقيقة وضاعتهم بدلا من التبرير واستمالة عواطف الناس؟
لماذا لا يجرؤ أحد على الحديث عن سيئاته، بقدر ما يبرع في الظهور بصورة المظلوم البريء الطاهر؟
لكأنها حالة عامة منذ الأزل، أشبه بمهرجان بشري للنفاق الاجتماعي والتناقض وازدواجية المعايير.