حلقات القيد تضيق على رقابنا

حلقات القيد تضيق على رقابنا

جمال حيدرة

باسمي ونيابة عن ملايين الوطنيين في جنوبنا الحبيب أعتذر لكل من طالهم أذانا بقصد أو بدون قصد، لكل من خذلناهم في منعطفات تاريخيّة اتشحت بسواد الحقد والغل والاستقواء.

أعتذر لكل من ضقنا بهم ذرعا، وحشرناهم في زوايا التخوين والتشنيع، واضطريناهم إلى أضيق الطرق، لا لشيء سوى أنهم تنبهوا مبكرا لمغبة حماقتنا وطيشنا السياسي، وضيق أفقنا الوطني.

قالوا لا، وبدلا من أن نبحث عن أسباب الرفض، رفضناهم، ولفظناهم خارج أسوار مصالحنا وأطماعنا، وغدوا بيوم وليلة غرباء يبحثون عن موئل يأويهم، في حين اتسعت قلوبنا لغرباء سلمناهم أمرنا ووضعنا رقابنا تحت تصرف سيوفهم، فأخذونا من معركة إلى أخرى نقاتل أعدائهم، وهم أكبر عدو لنا.

أعتذر لقحطان الشعبي أول رئيس بعد الاستقلال وقد حكمنا عليه بالسجن حتى الموت، أعتذر للرئيس الثاني سالم ربيع علي وقد حشينا صدره بالرصاص، أعتذر للرئيس الثالث علي ناصر محمد وقد هجّرناه في يوم انتقامي أسود، أعتذر لآخر رئيس عبد ربه منصور هادي وقد عملنا كل ما بوسعنا لإسقاطه، أعتذر لبن دغر والجبواني والميسري، وبن عديو وكل من رافقهم وكان معهم .

أعتذر وأقر بأننا كنا وما نزال بلاء الجنوب، وزلازله المدمرة، تحركنا الرياح والأمواج الخارجية كتيارات رعناء فنضرب الأرض وما عليها بدورات عنف دموية، ونسير على أشلاء بعضنا بكل عنجهية وخيلاء.

نحن ولا سوانا من أضاع دولة الجنوب يوم رهنا مصيرنا للسوفييت، واستمدينا منهم القوة، ووظفناها ضد بعضنا، فضاعت بعدهم الدولة، وضعنا في ليل بهيم، ومن بعد ذلك عشنا سنوات قحط وجوع وضياع، قبل أن يلتهمنا عدو لئيم.

اليوم وبعد ثمان سنوات من تحرير الأرض رهنا الكرامة والمصير لمشائخ قرأوا ماضينا اللعين، واستجروه بكل عفونته، ونجحوا في توظيفه لضربنا ببعضنا البعض، مستغلين ثلة من الجهلة والأميين، مكنوهم أمرنا بالمال والسلاح، ومنذ ذاك ونحن نسير مكبلي الأقدام معصوبي العيون إلى مصير مجهول.

إلى كل من ذكرناهم ومن لم نذكرهم نعتذر عن أخطاء الأولين والآخرين، أخطاء اقترفها نفر من الحمقى والأغبياء، شهدنا بعضها وقرأنا عن البعض الآخر ولم نكن قبل اليوم في كامل وعينا وإدراكنا بأننا الجلادون وليس الضحايا، فالتاريخ كما تعلمون يكتبه المنتصر، وقد كنتم مهزومين ليس لأنكم ضعاف، بل لأنكم أكثر شجاعة في دفع ثمن الموقف وإن كان خسارة.

أدركنا اليوم أننا من خسرنا بعد أن ضاقت حلقات القيد على رقابنا ظلما وقهرا وخيبات، وأضحت الكرامة والسيادة معا ورقة نقدية متذبذبة الثمن، ولذلك نعتذر بغصة واقع نعيشه، ووحدكم من تعرفون مرارته.

أما بالنسبة لمصدر النكبة المعاشة فلا صوت يمكن أن يصل إلى أسماعهم بفعل صهيل المال والسلطة في آذانهم الصماء، وقلوبهم الغلف، وبالتالي من العبث أن نعوّل عليهم اليوم.

جمال حيدرة- ٨ يناير ٢٠٢٤م