الأحزاب والمكونات السياسية الرخوة في اليمن

الأحزاب والمكونات السياسية الرخوة في اليمن
صورة من الأرشيف

ماهر باوزير 


شهد اليمن تحولات كبيرة منذ الإطاحة بحكم آل حميد الدين في صنعاء في 26 سبتمبر 1962م، وثورة 14 أكتوبر 1963م في جنوب اليمن والتي أدت إلى خروج الاستعمار البريطاني. هذه الأحداث شكلت البداية لتكوين الأحزاب والمكونات السياسية في اليمن، والتي كان من المتوقع أن تكون القوى المحركة للتغيير والتنمية في البلاد.

بعد الإطاحة بنظام الإمام يحيى حميد الدين في 1962م، شهد اليمن الشمالي إنشاء أول الأحزاب السياسية. كان حزب البعث العربي الاشتراكي وحزب الاتحاد الاشتراكي من أبرز الأحزاب التي ظهرت في تلك الفترة، وسعى كلاهما إلى تطبيق أفكار جديدة تهدف إلى تحقيق الوحدة العربية والاشتراكية.

في الجنوب، وبعد ثورة 14 أكتوبر 1963م ضد الاستعمار البريطاني، تشكلت عدة حركات وأحزاب سياسية. من أبرز هذه الأحزاب كان الجبهة القومية للتحرير، والتي قادت النضال ضد الاستعمار وتولت الحكم بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م. كما ظهرت بعد ذلك الجبهة الوطنية الديمقراطية، والحزب الاشتراكي اليمني الذي أصبح القوة الرئيسية في الجنوب.


رغم الأدبيات والشعارات التي رفعتها هذه الأحزاب السياسية، والتي دعت إلى العدالة الاجتماعية، والديمقراطية، وتحقيق التنمية الشاملة، إلا أن الأفعال التي قامت بها غالباً ما كانت تتناقض مع تلك الشعارات. فبدلاً من بناء دولة مؤسسات تستند إلى الكفاءة والنزاهة، استأثرت عائلات وأسر معينة بهذه الأحزاب للوصول إلى مناصب الدولة، حتى وإن كان هؤلاء يفتقرون للمؤهلات العلمية أو الخبرات الضرورية.

هذه الظاهرة أدت إلى هيمنة تلك العائلات على السلطة والثروة، مما أسفر عن تفشي الفساد والمحسوبية داخل مؤسسات الدولة. ومع مرور الزمن، أصبحت الأحزاب السياسية نفسها رهينة لمصالح ضيقة تخدم قلة قليلة على حساب مصلحة الشعب اليمني.

اليمن اليوم تعيش أزمة حقيقية نتيجة لهذا التوجه العام لدى المكونات السياسية. فقد تحول الوضع إلى ما يمكن وصفه بـ "المافيا السياسية"، حيث يتم تداول السلطة بين نفس الأفراد والعائلات دون مراعاة للكفاءة أو المصلحة العامة. هذا الأمر أدى إلى تراجع التنمية الاقتصادية، وزيادة معدلات الفقر، وتفاقم الأزمات الإنسانية.

إن الحل للخروج من هذه الأزمة يتطلب إعادة بناء الأحزاب السياسية على أسس ديمقراطية حقيقية، وتفعيل دور المجتمع المدني، وإعادة الثقة بين المواطن والدولة. يجب أن تكون هناك قوانين صارمة تمنع الفساد والمحسوبية، وتشجع على المشاركة السياسية الفعالة من جميع فئات المجتمع.

إن تاريخ الأحزاب والمكونات السياسية في اليمن مليء بالتحديات والتناقضات. فرغم البدايات الواعدة التي شهدها اليمن بعد ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، إلا أن الأحزاب السياسية لم تتمكن من الوفاء بوعودها وشعاراتها، مما أدى إلى تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد. واليوم، يحتاج اليمن إلى إصلاحات جذرية تعيد الثقة إلى العملية السياسية وتحقق التنمية المستدامة لجميع أبنائه.