عندما يتلاشى صوت المواطن في أروقة السلطة.. من يطفئ نيران المعاناة ؟

عندما يتلاشى صوت المواطن في أروقة السلطة.. من يطفئ نيران المعاناة ؟
صورة من الأرشيف

ماهر باوزير 

في قلب كل أزمة سياسية، يبرز المواطن العادي كأكبر المتضررين من النزاعات بين النخب. هؤلاء الأشخاص الذين لم يختاروا الانخراط في هذه الصراعات، يجدون أنفسهم يدفعون ثمنًا باهظًا في حياتهم اليومية، مع تصاعد حدة النزاعات، تتحول حياتهم إلى كابوس مستمر من الفقر والجوع والمرض والخوف.

في مجتمع يتعرض للانهيار المستمر بسبب صراعات المتنفذين، يزداد الإحباط ويتفشى اليأس بين الناس الأطفال يكبرون في بيئات مشحونة بالخوف والقلق، مما يؤثر على تطورهم النفسي والاجتماعي. الأسر تتفكك تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدي إلى تآكل الروابط الاجتماعية وزيادة التفكك الأسري. تظهر موجات من الهجرة والنزوح الداخلي، حيث يبحث الأفراد عن الأمان والاستقرار في أماكن أخرى، مما يخلق أزمة سكانية حادة في بعض المناطق ويزيد العبء على الموارد المحلية.

الأزمات الاقتصادية التي تسببها هذه الصراعات لا تقتصر على الأضرار الآنية فقط، بل تزرع بذور أزمة طويلة الأمد. جيل الشباب يجد نفسه في مواجهة سوق عمل متعثر، بلا فرص حقيقية لتحقيق طموحاته، مما يدفع بالكثيرين إلى الهجرة أو الانخراط في أنشطة غير قانونية. كما تتدهور الأوضاع الصحية والتعليمية، حيث تصبح المدارس والمستشفيات عاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين، ما يؤدي إلى تراجع المستوى التعليمي والصحي العام وزيادة الجهل والأمراض.

في خضم هذه المعاناة، يتلاشى الإحساس بالعدالة والإنصاف. يشعر المواطنون بأن أصواتهم غير مسموعة وأن مطالبهم بالعيش الكريم تُهمل. يزيد هذا من الشعور بالظلم ويغذي السخط الشعبي، مما قد يؤدي إلى احتجاجات وثورات، وأحيانًا إلى تطرف البعض كرد فعل على الإحباط واليأس. يجب على السلطات أن تدرك أن العدالة ليست مجرد كلمة، بل هي أساس الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وأن تجاهل معاناة الناس لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمات.

لحل هذه المعضلة، يجب أن يكون هناك تحول جذري في نهج التعامل مع الأزمات. يجب أن تُمنح الأولوية لمصالح الشعب على مصالح النخب السياسية. إن تطبيق سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة تضمن تحسين ظروف المعيشة وتوفير فرص العمل والخدمات الأساسية، هي خطوة ضرورية لبناء الثقة بين المواطن والحكومة. يجب أن تتخذ النخب خطوات فعّالة نحو الحوار والمصالحة الوطنية، بدلاً من الاستمرار في صراعات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار.

إن استمرار هذا الوضع يجعل المستقبل غامضًا ومخيفًا. يجب أن نتذكر دائمًا أن المواطن ليس مجرد رقم في معادلات السلطة والنفوذ، بل هو العنصر الأساسي في بناء أي مجتمع. صوته وحقوقه يجب أن تكونا محور كل قرار سياسي، وإلا سنظل ندور في حلقة مفرغة من الصراعات والدمار. إن تغيير هذا الواقع يبدأ من إدراك النخب أن قوتهم الحقيقية تأتي من دعم شعوبهم، وأن المستقبل لا يمكن أن يُبنى على أنقاض حياة الناس .