الجنوب وضياع البوصلة
ماهر باوزير
منذ مابعد حرب صيف ١٩٩٤ م والجنوب يصارع وجوديا وتعزز ذلك الصراع وأصبح أكثر وضوحا لمن كان في مربع المشاهد خلال غزو قوات الشمال ( الحوثي ) مجددا للعاصمة عدن عام ٢٠١٥ م وحالة الصمود الجبار التي سادت مشهد المواجهات بين أبناء الجنوب والقوات الغازية في أزقة و شوارع وأحياء ومديريات العاصمة عدن وتوج ذلك بطرد جحافل العدو وتحرير عدن بفضل تضحيات شبابها و اهلها وكل من ينتمي لها واعطت درس بالغ الأهمية في صمود الأرض والإنسان المنتمي لتلك الأرض الطيبة.
ذلك الصمود الجبار لما كان له أن يكون لولا تأثير الحراك السلمي الجنوبي الذي نبه و بين ابعاد الصراع وخفاياه ومن ثم فضحه حتى اكتملت الصورة في تبني أغلب أبناء الجنوب لتلك الأفكار التي تحولت إلى فعل ثوري سلمي على الأرض مما ابرز قضية الجنوب وتحولت بفعل ذلك من قضية مطلبية إلى سياسية بامتياز .
اليوم وبعد كل ما تقدم تراجعت القضية الجنوبية وربما تاهت في دهاليز السياسة الإقليمية والدولية نتيجة لعدم امتلاك من تصدر المشهد في السنوات الأخيرة للخبرات الكافية سياسيا لإدارة الصراع ما نتج عنه فقدان الرؤية وتشتت الجهود وتمكين المنتفعين من السيطرة على الموارد لتسخيرها لمصالحهم الشخصية وتحولت القضية لديهم إلى قضية جني أموال حيث قدموا نموذج سيء طغى على نموذج جيش الشرعية اليمنية و حمود المخلافي وهذا السلوك الطارئ على المشهد الجنوبي له أسبابه ودوافعه واختيار شخوصه بعناية فائقة ليسهل التحكم بهم وتسييرهم وفق الأجندات المرسومة وهو ما يتحقق اليوم من خلال الصمت المخزي على حالة تردي الخدمات وغرق الجنوب في الفساد بل وتصدر من يجذر بهم محاربته هم أكثر من يمارس ذلك عبر أدواتهم و تابعيهم .
أصبح الجنوب الآن اقرب إلى التقسيم من العودة إلى دولة ماقبل عام ١٩٩٠ م وجميع المؤشرات تعزز ذلك التوجه نتيجة لدوافع إقتصادية صرفة لمصالح إقليمية ودولية حددت أهمية اماكن بعينها جنوبا واولتها إهتمام كبير من خلال تحسين البنية التحتية والخدمات وتقديم المساعدات الإنسانية وبالمقابل أهملت مناطق أخرى وتجاهلت معاناة المواطنين فيها بل أمعنت في تعزيز تلك المعاناة ومع ذلك لم يجد المواطن الجنوبي موقف واحد مشرف يرفض ذلك الوضع أو ينتقده او يعبر عن رفضه .
الشارع الجنوبي اليوم لا يرى بارقة أمل تلوح في الأفق ولا هناك أي مؤشىرات إيجابية تبشر بعودة جنوب ماقبل عام ١٩٩٠ م بل أصبح أكثر اقتناعا ان الفرصة لتحقيق ذلك قد ذهبت ولم يتم التقاطها في وقتها المناسب وان ماهو متاح الآن هو ضعف قيادي جنوبي وذهاب الجنوب مجددا إلى باب اليمن عبر المخاء .