وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر!
م. لطفي بن سعدون الصيعري.
انقضت (٦) سنوات منذ أن غادر الدكتور أحمد بن دغر رئاسة الحكومة في بلادنا. غادرها وكانت حكومة الشرعية في أوج قوتها وتماسكها وسيادتها على أرضها وثرواتها وعملتها المحلية، وانتظام مرتبات موظفيها في حينها مع نهاية كل شهر، وجبهات المواجهة مع الحوثي في أوج قوتها وانتصاراتها وكانت قوات الشرعية تقترب من إسقاط ميناء الحديدة ووصلت على بعد ٥ كيلومتر منه، ولازالت مسيطرة على كل الجوف، و فرضة نهم على بعد ٢٠ كيلو من صنعاء، ومعظم مأرب.
تسلم الدكتور بن دغر الحكومة في ٤ إبريل ٢٠١٦م وغادرها في ١٥ أكتوبر ٢٠١٨م.
وكان صرف العملة حين مغادرته يساوي (٧٦٠) ريال للدولار، والان وصل لأكثر من ١٦٠٠ ودبة البترول ٢٠ ليتر بسعر ٩ الف ريال والآن ٣٠ الف، وقس على ذلك كل الأسعار للمواد الغذائية، ارتفعت بواقع يقارب ٢٠٠ % ووصل معظم الناس إلى عبن المجاعة وانعدام الخدمات ، واختفت الطبقة الوسطى من الموظفين والمعلمين وصغار التجار من الوجود ، لتذوب في طبقة المعدمين والفقراء.
هكذا كان بن دغر لمن لا يعرف إنجازاته، وهكذا هي حقبة من أتى بعده ، الذي اؤصل مناطق الشرعية إلى هذا البؤس والفاقة والفساد ونهب المال العام وسقوط الدولة وهيبتها والسيادة على الأرض.
وخلال فترة تولي الدكتور بن دغر رئاسة الحكومة كان حريصا أشد الحرص لان يكون قريبا من القيادات والنخب السياسية بمختلف أطيافها، كيف لا، وقد حظي قرار تعيينه رئيسًا للوزراء، بدعم كبير وارتياح من القوى السياسية والقيادات العسكرية، واعتبرت خطوة مهمة في سبيل توحيد الجبهة الداخلية للشرعية، وأجمعت على أن قرار تعيينه يعزّز الوحدة الوطنية والتوافق السياسي بما يقوّي من فرص السلام المنشود.
خلال فترة حكمه كان مهتما بالعمل المؤسسي لمختلف أجهزة الدولة بدءا من مجلس الوزراء ومختلف الوزارات والسلطات المحلية، وكأن أيضا قريبا من الناس يتنقل بينهم في مختلف المحافظات المحررة ويستمع لهمومهم ويأخذ بملاحظاتهم ومتواجدا أغلب وقته يدير الحكومة من العاصمة المؤقتة عدن.
وأفضل وصف صادق للدكتور بن دغر، هو ما كتبه السياسي والإعلامي الكبير غلاب، بأنه يمثل نموذجًا للمناضل السياسي الذي اختبر الواقع اليمني جنوبه وشماله، وغاص في تاريخه وحاضره، وأتشرف مستقبله، ووصل إلى امتلاك الحكمة بعد مشوار طويل، ولم يعد النضال يعني له، غير فكرة محورية لديه اليوم هي استعادة الدولة، وهو يرى الحل السياسي مصدر قوة لكنه متيقن من أن متغيّرات الميدان هي أصل النصر.
ويضيف انه مثقف عضوي له مدرسته الخاصة، واقترب من كل رموز السياسة اليمنية وقياداتهم في الجنوب والشمال خلال أربعين سنة، وكان دائمًا منحازًا إلى الدولة، فكلما خرج أو أخرج منها.. عاد إليها. وأردف: كثيرًا ما عمل على حافة الهاوية في فترات الصراع لكنه لم يسقط، بل عاد إلى المشاركة في استقرار الوطن. إنه رجل تكمن فلسفته في إيجاد الأمن لبلاده عبر تأسيس دولة مدنية عادلة منظمة وبلا حروب. وعندما يمارس الصراع السياسي فهو يختلف بعقلانية، ويكره العنف في حل الخلافات، بما يمتلكه من أخلاق رجل الدولة والسياسة وثقافته وتجربته الواسعة، ولذا يتعامل مع الجميع بذكاء الباحث عن حلول، ويبذل جهده في تقديم الرؤى. ويضيف غلاب انه سياسي ناعم يتأقلم بلا ضجيج، وأينما اتجه يكن باحثا عن الصواب.
ففي شبابه قاتل من أجل الفقراء، وفي مراحل النضج أصبح واقعيًا يعمل من أجل الدولة، وكان رهانه دائمًا على بناء التوازنات التي تنهي العنف في السياسة.
لقد امتحن السياسة بكل تناقضاتها وامتحنته في جحيمها، فلم يقع على رأسه في دهاليزها، إذ كان يقف دائمًا على أرضية صلبة من دون أن يخسر.
وبالرغم من إبعاد بن دغر عن رئاسة الوزراء وهو في قمة نجاحه، بسبب نزوات جهة إقليمية أرادت أن تنتقص من سيادة الدولة على إراضيها، ودفعت باتباعها لمضايقته وتهديده، وأفشال كل جهوده ، لتثبيت دعائم الدولة ورفض الملشنة، إلا انه انزاح طواعية من منصبه لينتقل إلى عمله الجديد كرئيس لمجلس الشورى، مستمرا في عطائه لوطنه بحكمته المعهودة ، ومثابرا في تقديم خبراته السياسية والإدارية والاقتصادية للسياسيين والنخب في كل بلادنا صغيرهم وكبيرهم، وبيته ومكتبه وتلفونه مفتوح للجميع دون استثناء .
ويذكره الحضارمة بكل تقدير واحترام ، وهو من حقق لهم الكثير من المكاسب، وعلى راسها تثبيت قرار الرئيس هادي بمنح حضرموت ٢٠ % من عائدات النفط .وكما يذكر الحضارمة أيضا بكل اعتزاز مقولته الشهيرة، أن فشلت الدولة الاتحادية وتقسمت اليمن إلى دول فحضرموت أيضا دولة مستقلة.
حفظك الله ياابا سامي ذخرا لوطنك!!! وسدد على طريق الخير خطاك!!!