ودمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دمشقُ
محمد احمد بالفخر
لم أجد عنواناً أفضل من شطر البيت الأول لأمير الشعراء احمد شوقي رحمه الله لأبدأ به حديثي وابتهاجي بالانتصار العظيم الذي كتبه الله للشعب السوري بإسقاطه النظام الاجرامي الذي جثم على صدر الشعب السوري ما يزيد على نصف قرنٍ من الزمان، وإن كان يجوز الاقتباس في الشعر أو وضع مفردة محل أخرى فأعتذر لأمير الشعراء رحمه الله وأقول
سلامٌ من رُبى (صنعاء) أرقُّ
ودمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دمشقُ
تعبيراً عن ابتهاج اليمنيين بهذا الانتصار العظيم، (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله)
واليمن والشام لا يفترقان على مدى تاريخنا الإسلامي ويكفي اقترانهما بحديث رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام عندما دعاء لهما بالبركة (بارك الله في يمننا وشامنا) وكان اليمانيون الأوائل في مقدمة صفوف جيش الفتح الإسلامي الذي حرر الشام من طغيان الروم ونشروا العدالة وسماحة الإسلام،
فمنذ تسليم مرتفعات الجولان السورية للعدو الصهيوني عام 1967م والتي كما قيل كانت حتى الصقور الطائرة لاتصل اليها إلاّ بصعوبة بالغة،
ولكن سرعان ما كانت سالكة أمام مدرعات ودبابات الكيان الصهيوني المزروع في أرض فلسطين المباركة، وقد كان بالإمكان صدّها بكتيبة واحدة مزودة بقذائف (الآر بي جي) كما يقول الخبراء العسكريين ولكن.. عُرِفَ السبب فبطُلَ العجب
فكانت المكافأة حكم سوريا من خلال مسرحية الانقلابات المعروفة،
وبعدها هيمنت هذه الطائفة برعاية هذه الأسرة على كل مقدرات سوريا ولم تكتفون بذلك بل حوّلت سوريا الى سجنٍ كبير من خلال القبضة الأمنية التي لم يُشهد لها مثيل في التاريخ لدرجة أن الواحد لا يستطيع فتح فمه إلا عند حكيم الاسنان بحسب رواية الكثير من الشعب السوري، وكانت المنجزات تشييد السجون والمعتقلات في كل مكان، وقد ارتكبت الكثير من المجازر المروعة كما حصل في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وبالذات في مدينتي حماه وتدمر ووصلت جرائم النظام وفي ابشع صورها بالتحديد في الثلاثة عشر عام الماضية عندما طالب الشعب السوري بالحرية من خلال مظاهرات سلمية عارمة جوبهت بالنار والحديد والبراميل المتفجرة وتدمير البيوت على ساكنيها دونما شفقة أو رحمه، وبالتالي فمن نجاء منهم من القتل أو السجن لم يجد أمامه سوى تحمّل مشقة الهجرة القسرية ومصاعبها وتبعاتها واجتياز الحدود البرية والبحرية الى كافة بلدان العالم التي استطاعوا الوصول اليها، وقد تعرضوا الى ما تعرضوا له من
أهوال جم ما هي قليلة
يا ضنيني تشيب بالمواليد
ومصاعب وإهانات في مخيمات اللاجئين التي أعدّت لهم في بعض البلدان ومن تمييز عنصري مقيت من بعض شعوب بعض البلدان التي قدموا اليها واختطاف للأبناء القصر في الدول الاسكندنافية،
وفي الوقت نفسه بقي الثوار صامدون مقاومون للنظام الحاكم وأعونه لم تستكين عزائمهم ولم يفل حديدهم رغم تواضعه مقارنة بالأسلحة الفتاكة التي يمتلكها النظام،
ولسان حالهم يقول كما قال شوقي:
بلادٌ مات فتيتها لتحيا
وزالوا دون قومهمُ ليبقوا
وللأوطان في دمِ كلّ حرٍّ
يدٌ سلفت َودَينٌ مستحقُّ
ولا يبني الممالك كالضحايا
ولا يٌدني الحقوقَ ولا يحقُ
ففي القتلى لأجيالٍ حياة ٌ
وفي الأسرى فدىً لهمُ وعتقُ
وللحرية الحمراء بابٌ
بكل يدٍ مضرجةٍ يدقُ
جزاكم ذو الجلال بني دمشقٍ
وعِزّ الشرق أوله دمشقُ
ستعود دمشق بإذن الله بعد أن تُضمّد جراحها لتنشر ضياءها ونورها لتعود كما كانت عضواً قوياً في جسد الأمة، فالسجون والمعتقلات الرهيبة ستحل مكانها جامعات ومراكز علمية لتخرّج أجيالاً تبني وتزرع وتصنع فقد انتهوا صنّاع الموت ليحلّ محلّهم صناع الحياة وليقطعوا الطريق على المتشائمين ومن يراهنون على الانحدار الى ما هو أسوأ، وكأنهم لم يشاهدوا السجون والمعتقلات والجرائم التي ارتكبت بحق الصغير والكبير وبحق المرأة والطفل،
سقوط النظام قد تحقق ورأسه قد أمّن موقعه في مكانٍ ما ولكن أذياله والمستفيدون منه واعداء سوريا قطعاً سيتحركون بعد هدوء العاصفة وسيشعلون فتيل الأزمات بين الحين والآخر فالحذر ثم الحذر أن يسمح لهم بالعودة بشكل أو بآخر، فاليقظة مطلوبة،
وشعار التصالح والتسامح بقدر ما هو مطلوب ليكون واقعاً ملموساً عليهم أن يتذكروا ما قاله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لست بالخب ولا الخب يخدعني)
حفظ الله سوريا وشعبها.