الانتهازية كمتحور جيني
جمال حيدره
لم أعد استهول ما حدث في 13 يناير 1986م بين الرفاق الجنوبيين من حرب طاحنة، قتلت ما يقارب 15 الف جندي، وخلفت مآسٍ وأحزانا كبيرة، وكانت أول مسمار يُدق في نعش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي ضاعت بفعل خلافات الرفاق.
لقد تحررت أخيرا من الشعور بالألم والحسرة على قيادات جنوبية من طراز رفيع ذهبت في لحظة تهور وطيش، ذلك أن ما حدث لم يكن سوى نتيجة طبيعية لعنجهية الطرف الأول وغطرس قادته، وعدم قدرتهم على فرملة نوازعهم العنيفة نحو السلطة، وهوسهم بالزعامة، دون أدنى معرفة بمتطلبات تلك المرحلة، وما يلزمها من توازن وطني، ومرونة سياسية تعلي مصالح الشعب على مصالح الدائرة الضيقة، وما رافق ذلك من ضيق أفق ضاعت معه الرؤية للمتغيرات والمعطيات الاقليمية والدولية.
وعلى الرغم من أن الطرف الثاني لم يكن في وضع أمثل من الطرف الأول من حيث نوازعه نحو السلطة والحكم، إلا أنه كان الأكثر إدراكا لمتطلبات المرحلة، والأفضل قراءة للمتغيرات الاقليمية والدولية، ولديه قدرة على فتح منافذ طوارئ لأي اختناق سياسي أو اقتصادي، وهذا الأمر ما غاب في عام 1990م عن ذهنية السياسي الجنوبي الأكثر عاطفية، وغباء.
اتذكر اليوم ذلك واستدعيه بغرض المقاربة بين واقعين مريرين مر بهما الجنوب، الأول راح ضحيته عشرات الآلاف من الأبرياء بين قتيل وجريح، والثاني نعيشه اليوم كمتحور جيني للأوائل، وضحاياه بلا عدد ولا حصر.
نحن ضحايا ثلة من اللصوص، والحرامية والفاسدين، والمنافقين، و الانتهازيين، ممن لهم في كل مرحلة كرسي، ولديهم القدرة على اغواء الشرفاء، وجرهم إلى مستنقع الرذيلة.
أجول اليوم بناظري في المشهد الجنوبي، ولا أرى سواهم، اشخاص بدون قيم ولا مبادئ، ولا تعليم، ولا ثقافة، ولا أخلاق، فقراء الإحساس بمشاكل الناس، ومنفصلون تماما عن الواقع.
هؤلاء جميعا يبيعون أي شيء في سبيل مصالحهم، رخاص رخاص رخاص، وبميقاس الكرامة نجدهم بلا ثمن.