أخر عناقيد الإبداع اليمني والعربي
عصام خليدي
يعد شاعرنا الجهبذ احمد الجابري من الشعراء الكبار الذين وشموا على صفحات الشعر الغنائي العامي اليمني بكل لهجاته ومفرداته وتلاوينه.
إضافة للقصائد الفصحى التي حملت بين ثناياها قضايا وهموم ومعاناة وطن عشقه حتى الثمالة ترجمها بحرفية وإقتدار وفطنة وأبدع في صياغاتها النحوية واللغوية والموضوعية الهادفة ذات المحتوى والعبر والدروس والمضامين وساهمت على إمتداد عقود من الزمن في تغيير وبلورة وعي وذائقة وسلوك وثقافة الأمة.
تميزت وتفردت نصوصه الغنائية بمفرداتها وتعبيراتها الزاخرة الباذخة والمضمخة المفعمة بالصور البلاغية والدلالات الشعرية والشعورية المتماسكة في تراكيبها وسياقاتها الدرامية المحبوكة بسيناريو متماسك وثري بالمشاهد واللقطات الجمالية الإبداعية الحسية والدلالية الروحية الرومنسية والإنسانية.
تمتاز قصائده بجزالة وعمق المعنى ورصانة وقوة المبنى .. وسحر البيان وعذوبة التبيان.
أحمد الجابري شاعراً إستثنائياً من فصيلة نادرة يتنفس الشعر وتجري بحوره وقوافيه في خلاياه الدموية.
قام بصياغة أشعاره الحاناً خالدة أشهر نجوم الغناء اليمني التي طرزها وزينها بقلادات مرصعة بنصوصه وقصائده الغنائية الخلابة الساحرة اللأفتة المتميزة برصانة وفذاذة وعبقرية صانع اليراع والقوافي الآسرة للعقول والألباب.
الأديب والشاعر الكبير أحمد الجابري تلك القصائد التي تضمنها ديوانه الأنيق (عناقيد ملونة ).
ولعل من أشهر نجوم الغناء اليمني الذين قاموا بصياغة أشعاره الحاناً خالدة الأساتذة :
أحمد بن أحمد قاسم / محمد مرشد ناجي / أيوب طارش / محمد سعد عبدالله / د عبدالرب أدريس / جميل غانم / محمد عبده زيدي / عصام خليدي / عبد الباسط العبسي .. وأخرين.
فمن منا لايتذكر هذه الأغاني الرائعة التي شكلت تراث نعتز به في مسار تاريخ الغناء اليمني وفي الخليج والجزيرة العربية والوطن العربي بصورة عامة :
يامركب البندر / المي والرملة / أخضر جهيش مليان / دندني .. دندني / لمن كل هذي القناديل / غصب عني / يابايعين الصبر / على امسيري / شبكني الحب بصنارة / صباح الخير ياوطني / كان ياما كان / ياريت عدن مسير يوم / ياغارة الله منه / جوال / سلام / أشتي أسافر/ رجعوني العيون الحلوه ثاني / حساس / من زمان أشتي أقولك /أشكي لمن / واصبايا / لاتخجلي /قلبي مع الغيد / خذني معك .. والقائمة حافلة عامرة بروائع هذا الطود (الجابري) الذاكرة الفنية التي تمشي على الأرض.
وفي الواقع يعد رحيله خسارة فادحة يتجرعها المشهد الثقافي والإبداعي اليمني إذ يعتبر فقيد الوطن الأديب والشاعر الجابري مرهف الإحساس نقي القلب والروح من الفلتات التي قلما يجود بمثلها الزمان.
شاعراً عملاقاً أتحفنا بفيض عطاء حروفه النابضة وأشعاره التي أضاءت صباحاتنا وأمسياتنا بالبهجة والنور والسعادة والأمل.
أتسمت حياته بالزهد والتعفف والتواضع ونكران الذات والشموخ والمواقف الثابتة على الصعيدين المهني الإبداعي والإنساني الراقي السامي بمحراب الكلمة الصادقة النابضة عقوداً من الدهر.
من مدينة عدن التي أحبها (مسقط رأسه) وبالنيابة عن كل أبناء الوطن اليمني بكل شرائحه وأطيافه أتضرع الى الله أن يشمله برحمته ومغفرته ورضوانه بإذن تعالى ويجعل مستقره ومثواه جنة الفردوس.
أستاذي ومعلمي وقدوتي (وأخر عناقيد الإبداع اليمني والعربي) يعجز وصفي ومفرداتي عن التعبير والإعجاب اللأمتناهي بقصائده الخالدة الرائعة التي ضمها بين دفتي ديوانه الشعري البديع ( عناقيد ملونة) التي إختتم به مشواره الإبداعي الشعري الجمالي ويعتبر إضافة نوعية ثرية باذخة رفيعة القيمة ورافداً سيثري المكتبة الثقافية الوطنية كمرجعاً هاماً للأجيال المتعاقبة.