هل السعودية متسببة في فشل الوطني الحضرمي؟ أم القيادات الحضرمية!
م. لطفي بن سعدون الصيعري.
كثرت التساؤلات في الأوساط الحضرمية ولازالت ،عن المتسبب لفشل مجلس حضرموت الوطني ، فمنهم من يحمل المملكة وزر ذلك، ومنهم من يحمل القيادات الحضرمية لانانيتها وانتهازيتها وحرصها على القدي ، ومنهم من يحمل المحيط الحضرمي الشمالي والجنوبي مسؤولية هذا الفشل.
وكوننا احد المشاركين في تأسيس المجلس في دورته الأولى الناجحة ومن المطلعين على خبايا الأمور، فإننا ننشر هذا التحليل للرأي العام الحضرمي لمعرفة هذه الخبايا، وتحديد موقفه من المتسببين في هذا الفشل، وإبراءا للذمة.
ظلت السعودية تنظر على الدوام لحضرموت كمنطقة لها وضعها الخاص المتميز ضمن جغرافية مصالحها الحيوية الأكثر قربا وارتباطا بها. ومنذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، ارتبط الحضارمة بشكل قوي بهذه الدولة ، التي فتحت لهم ذراعيها بكل حب وتقدير ورعاية خاصة وانصهر فيها مئات آلاف الحضارمة ليتجنسوا بجنسيتها، وأكثر من هذا العدد مقيمين فيها ويعملون هناك بكل حرية، في مختلف مجالات الحياة وخاصة التجارة ولا يوجد بيت حضرمي إلا وفيه متجنس أو مغترب في المملكة مما عمق الروابط الأسرية والقبلية والمصالح المشتركة بين الحضارمة والسعوديين. وارتبطت حضرموت قبل ٦٧م من خلال سلطنتيها بعلاقات سياسية قوية مع المملكة وكادت تتطور نحو الكونفدرالية معها ، لولا أن بريطانيا استخدمت نفوذها ومؤامراتها لواد هذه العلاقات منذ بدايتها، وضمت حضرموت إلى دولة اليمن الجنوبي عنوة فيو٦٧م ثم إلى الجمهورية اليمنية منذ ٩٠م وحتى اليوم، نكاية بحضرموت لدورها الرائد في نشر الإسلام في شرق آسيا وشرق أفريقيا ومحاربة التنصير فيها.
وبعد ٦٧م دعمت المملكة حركة المقاومة الحضرمية الرافضة لضمها للجنوب، ودعمت شيوخ القبائل والنخب السياسية، للتخلص من هذا الكابوس وشكلت جيش الإنقاذ الحضرمي، الذي نفذ بعض العمليات العسكرية الناجحة ، في عدة مناطق من حضرموت ، قبل أن يتم وقفه فيما بعد عند تطبيع العلاقات بين المملكة والدولة الجنوبية في منتصف السبعينات. واستمر هذا الوضع حتى انطلاق عاصفة الحزم ، وتفتت منظومة الدولة اليمنية العميقة وبروز المكونات السياسية والمناطقية المختلفة، وخاصة في الجنوب وحضرموت ومارب وتعز، التي تطالب باستقلالها عن المركز صنعاء ومراعاة خصوصيتها التاريخية والهوياتية والثقافية والمناطقية .وكان على المملكة بحكم قيادتها لتحالف دعم الشرعية أن تتعامل مع هذه المكونات المختلفة ، كونها تشكل بمجملها سلطة الأمر الواقع والتطلعات السياسية لمختلف المناطق المحررة من قبضة الحوثية، والواقعة ضمن جغرافية ما يسمى بالشرعية.
من هنا بدأت العلاقات السياسية السعودية الحضرمية من خلال ألمكونات الحضرمية المستقلة التي نشأت بعد ٢٠١٣م وتعززت أكثر بعد تحرير المكلا من القاعدة في ٢٠١٦م، من قبل النخبة الحضرمية وبإشراف مباشر من التحالف بقيادة المملكة والإمارات.
تعززت العلاقات السياسية بين المملكة والمكونات الحضرمية المستقلة ممثلة في حلف قبائل حضرموت والجامع والمرجعية والعصبة الحضرمية، وحظيت برعاية ودعم مادي ومعنوي وسياسي وإعلامي من المملكة ، وضغطت على الشرعية بمكوناتها المختلفة لإعطاء تمثيل ومشاركة لهذه المكونات الحضرمية ضمن قوامها وأن كانت بصورة محدودة.
ووصلت هذه العلاقات ذروتها، عندما رعت المملكة المشاورات الحضرمية لمدة شهر في الرياض، لتشكيل كيان سياسي موحد لحضرموت يكون حاملا سياسيا للقضية والمظلومية الحضرمية وموحدا لقياداتها السياسية والقبلية والمدنية والرسمية، ونجحت هذه المساعي في دورتها الأولى بإشهار تأسيس مجلس حضرموت الوطني في ٢٠ يونيو ٢٠٢٣م ووثيقته السياسية والحقوقية وتوقيع ميثاق الشرف من مؤسسيه ، على أن تستكمل ترتيبات إعداد هياكله التنظيمية واختيار بقية مؤسسيه ،وثم عقد مؤتمره التأسيسي وانتخاب قياداته وأمانته العامة بعد شهرين.
لكن للأسف خلال الشهرين المقررة بدلا من زيادة تلاحم القيادات الحضرمية وتقاربها ، والوصول لصيغ توافقية، لاستكمال ترتيبات المؤتمر التأسيسي ، حصلت الكارثة وزادت المؤامرات من كل جانب على هذا المولود الحضرمي المستقل ، وسعت المكونات السياسية المركزية المرتبطة بعدن وصنعاء، للانقضاض على هذا المكون قبل استكماله، ومنهم من ناصبه العداء بكل مأوتي من قوة لواده في مهده، ومنهم من سعى لاختراقه، وتشكيل التحالفات القبلية والمناطقية والسياسية، التي تؤهلها لحرف مساره المستقل والهيمنة عليه، وجر هذا المكون لأجندته السياسية. وللأسف الشديد نجح التيارين في أضعاف هذا المولود وقصقصة أظافره، وسهل انقضاض أحد الأحزاب المرتبطة بصنعاء عليه في تحالف مشبوه مع مكون حضرمي قبلي ومناطقي.
وعندما رأت المملكة هذا التمزق والصراعات البينية الحادة بين المكونات الحضرمية المستقلة ، ووصول الحراك الحضرمي المستقل لهذا الضعف، ورفض احد المكونات الجنوبية المؤثرة، لقيام هذا المولود المنافس ، والتهديد بتوتير الأوضاع في الجنوب ،ورات أن المولود سيكون مطية لحزب ليست راضية عنه كثيرا، فقد ارتأت تجميد هذا المولود ووضعه في الثلاجة لحين ظهور مستجدات حضرمية جديدة ، تؤهلها لقلب المعادلات، وأبرار حضرموت كقوة سياسية موحدة فاعلة داخل حضرموت وفي محيطها الجنوبي والشمالي وعلى مستوى الإقليم والعالم ، ويمكن للمملكة إن تعتمد عليه ، في سياساتها تجاه حضرموت كحليف استراتيجي وموقع جيوسياسي هام لها.
أصيب ملايين الحضارمة بالصدمة، وهم يرون حلمهم يتهاوى بأيدي قياداتهم السياسية الأنانية الانتهازية ، وبأيدي أعدائهم التاريخيين في الجنوب والشمال ،ودون تحرك جدي من حليفهم التاريخي لوقف هذا التدهور. لكن لازال الأمل بالله كبير واذا كانت قياداته الحالية ليست بمستوى الطموح والنزاهة، فإن الشعب الحضرمي سيخلق قادة جدد مؤهلين لحمل الراية وقيادة سفينة حضرموت لبر الأمان.