العميد السبّاك

العميد السبّاك
صورة من الأرشيف

بقلم: محمد أحمد بالفخر

أتذكر عندما سكنت في صنعاء في عام 1995م تعرفت على أحد الجيران وقد نسيت حتى اسمه حتى لا يسألني أحد من هو؟ لكنه كان ضابطاً برتبة نقيب في احدى القطاعات العسكرية وكنت اشوفه بين الحين والآخر وفجأة اختفى عن الأنظار لفترة لا باس بها. وعندما رأيته بعدها سلّمت عليه وسألته أين اختفيت

أيها الجار؟ فحكى لي قصة الاختفاء المريبة فقال: كنت في الحجز! ولماذا؟ عسى ما شر؟ فحكى لي قصته الحزينة فقال لي سنوات طويلة في الخدمة العسكرية ولم تتم ترقيتي المستحقة وفق سنوات الخدمة وإسوة بزملائي الآخرين الذين تمت ترقيتهم، فسوّلت لي نفسي أن ألبس بدلة (رائد) بعد أن أبعدت الثلاث نجمات ووضعت محلها الطير وذهبت الى المعسكر، فانهالت عليّ التبريكات من زملائي وبينما أنا أبادلهم ردّ التهاني بهذه الفرحة بالترقية الغير حقيقية وإذا بأحد الافراد يناديني جاوب القائد فوراً في مكتبه،

فقلت في نفسي وقعت في المحظور،

وبمجرد أن دخلت عليه في مكتبه وأديت له التحية العسكرية قام على الفور واتجه نحوي ونزع رتبة الرائد من على كتفي وأسمعني كلمات نابية أين قرار الترقية يا .... فحاولت أن أشرح له مظلوميتي واستحقاقي لهذه الرتبة لكنه لم يمهلني فنادى العسكري الواقف بجوار الباب بأخذي الى الحجز التأديبي فمكثت فيه فترة زمنية فلهذا لم تراني..

تذكرت هذه القصة متحسّراً على دولة ضاعت بكل ما تحمله الكلمة من معنى وإن اعتراها الفساد ونخرها لكن شكل الدولة والأنظمة والقوانين كانت موجودة على الأقل ولو بحدها الأدنى،

فعلاً تحسّرت على ضياعها وازددت تحسّراً وأنا اشاهد الناشط اليوتيوبري الشهير اليافعي الحُر (وهيب الصهيبي) قبل بضعة أيام وهو يتحدث عن الكلية العسكرية بمنطقة الشيخ عثمان من باب التهكّم والسخرية وتحديدا تحت مسجد النور وهي عبارة عن مجموعة خياطين يقومون بتفصيل البدلات العسكرية مجهزة برتبها فيأتي مثلاً نجّار فتعطى له بدلة عقيد ويأتي مُلحِّم في ورشة فيأخذ عقيد ركن ويأتي سباكاً فيأخذ بدلة عميد،

طبعاً ليس هناك عيب في تلك المهن التي أوردها ولا ينبغي ازدراءها بحال من الأحوال لكن العيب أن يتحوّل بعض أولئك الى قادة عسكريين وهم لم يعرفوا طريق الكليات العسكرية في حياتهم ناهيك عدم استكمالهم لدراستهم النظامية،

فبالتالي لا نستغرب حجم الفوضى التي وصلت اليها البلاد، فهذا القائد يتبلطج على قطعة أرض هنا وذاك يتبلطج على المورد الفلاني هناك وآخر يتدخل حتى في تعيين الحراسات لهذا الوزير أو ذاك ولم يسلم منهم حتى المواطن الذي يفترض أن يكون آمناً في بيته وليس له في الطين ولا في العجين كما يقول المثل، وما زلنا نتذكر تلك المعارك الطاحنة التي شهدتها بعض الأحياء المكتظة بالسكان نتيجة خلافات بين القائد الفلاني والقائد العلاّني وأحقية كل منهما بالسيطرة على هذا الموقع أو ذاك،

هذه المشاهد تجعل اللبيب حيران أهكذا ينبغي أن يكون الوطن المنشود؟ أهذه هي الآمال والطموحات لوطنٍ آمنٍ مستقرٍ ينعم كلّ أبنائه برغد العيش والمساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة وإعطاء الوظيفة العامة للأكفاء من أبناء الوطن وليس لذوي القربى ولا للمؤلفة قلوبهم بهدف الاستقطاب الحزبي أو غيره،

أعود للتذكير مرّة أخرى لمن بيدهم حل مثل هذه الإشكاليات العويصة والقضاء على مثل هذه النتوءات وهم معالي وزير الداخلية اللواء الركن إبراهيم حيدان ومعالي وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري وقبلهم تقع المسؤولية بالدرجة الأساسية على عاتق الثمانية في مجلس القيادة الرئاسي ونذكرهم بحجم المهمات الصعبة التي أُلقيت على عواتقهم ونضع أمامهم السؤال الافتراضي بماذا تريدون أن تذكركم الأجيال الحاضرة والقادمة وما نوع الأحرف التي تريدون أن يُكتب بها تاريخكم وبالتالي مرحلة من تاريخ اليمن توليتم أمره فبأي مداد تريدون كتابته؟،

فاعدوا إذن للسؤال جواباً عندما ستسألون أمام الواحد القهار حين يقول ((لمن الملك اليوم))؟

وضعوا في أذهانكم ذلك الدعاء الخالد الذي دعا به رسول الله عليه الصلاة والسلام (اللهم من وَلِيَ من أمرِ أمتي شيئًا فشَقَّ عليهم فأشقق عليه، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فرفَق بهم فارفُقْ به).