فلسفة التفكير وفلسفة الحلم: يا يمنيين، أين أنتم من أنفسكم؟
بقلم: نورية الأصبحي
أين نحن يا أهل اليمن؟ في أي زوايا العقل نختبئ، وأي زاوية من الحلم نترك مهجورة، مليئة بالغبار والتوقعات الفارغة؟ دعونا نتحدث قليلًا عن فلسفة التفكير والحلم – نعم، الحلم الذي لم يعد يفكر فينا كما كنا نفكر فيه. إذا لم تكن تعرف إلى أين أنت ذاهب، فكيف ستعرف أنك وصلت؟ وإذا لم يكن لك هدف أو حلم في الحياة، فأنت ببساطة جثة تتحرك.
دعونا نصارح بعضنا: كل واحد منا لديه مشكلة كبيرة، لكنها لا تبدأ من "النظام" أو "السياسة" أو "الدنيا". لا، المشكلة تبدأ من عندنا، من كل يمني ينظر في المرآة صباحًا دون أن يعرف من يكون وماذا يريد. تفكيرنا لم يعد تفكيرًا، إنه مجرد صوت همسات عن أزماتنا اليومية، "الكهرباء انقطعت"، "الماء شحيح"، "الأسعار جنونية" – نعم، كل هذا صحيح، لكن أين فلسفة التفكير التي تجعلك تسأل: ماذا أفعل لأغيّر شيئًا؟
لنكن واقعيين – الحلم الذي كان لدينا في صغرنا، ذلك الحلم الكبير بأن نغير العالم أو نحقق شيئًا عظيمًا، ماذا حدث له؟ هل دفنَّاه تحت ركام اليأس؟ أم تركناه على رف مهمل نغطيه بالغبار؟ إن لم تكن لديك رؤية، فأنت شخص يمضي أيامه كما لو كان يتجول في أسواق الحياة بلا هدف. وكلما مر يوم آخر، أنت فقط تزيد من وزن الجثة التي تحملها.
والآن، فلنطرح سؤالًا ساذجًا لكنه ضروري: ما هو دورك في هذه الحياة؟ نعم، أنت، يا من تقرأ هذه الكلمات وأنت جالس على الأريكة أو في مكتبك الصغير أو في المقيل. ما هو دورك؟ هل أنت هنا فقط لتكون مشاهدًا في فيلم طويل يدور حولك؟ أم أنك قررت أن تأخذ دور البطولة، أو على الأقل دور المساعد الذكي؟ كل يمني لديه هدف يجب أن يجده، دور يجب أن يؤديه، فهذه البلاد التي لا تفتأ تتألم، تنتظر شيئًا من كل واحد منا.
فكر قليلًا في فلسفة الحلم: الحلم ليس مجرد أن تجلس وتتمنى، بل هو أن تفكر وتعمل وتخطط. لكن المشكلة أننا أصبحنا نفضل أحلام اليقظة على الأحلام الحقيقية. تلك الأحلام التي تأتيك وأنت نائم وتوقظك برعب لأنك تعرف أنك لم تحقق منها شيئًا. اليمن ليست بحاجة إلى أحلامنا الجميلة أو خططنا الورقية التي نمزقها كلما تعقدت الأمور. اليمن بحاجة إلى أفعال، أفكار تتحول إلى خطوات ملموسة، أهداف نراها على الأرض.
أعود إليك، وأقول: إذا لم تصف شيئًا في حياتك، إذا لم تحدد لنفسك هدفًا تسعى إليه، فإنك جثة تتحرك، نعم، جسد يمشي بلا روح. كلما ازدادت مشكلاتنا الذاتية تعقيدًا، نبتعد أكثر عن السؤال الأساسي: ماذا أفعل في هذه الحياة؟ كيف أساهم في تغيير الواقع؟ ماذا سأترك وراءي؟
والسؤال الأكبر الذي ينبغي أن يؤرقنا جميعًا: لماذا لا نستيقظ؟ لماذا لا يعود كل واحد منا إلى ذاته ويسأل نفسه عن طموحه، عن دوره الحقيقي؟ لا تستسلم لفكرة أن التغيير صعب، وأن الأحلام بعيدة المنال. تذكر أنك جزء من مجتمع، ولك دور مهم تلعبه. اليمن بحاجة إلى كل يمني أن يستيقظ من سباته الفكري والحلمي، ويعرف أن البلاد لن تقوم إلا بأحلام واقعية، وأهداف نابعة من عقول تفكر وتتأمل.
يا أهل اليمن، العودة إلى ذواتنا ليست رفاهية، إنها ضرورة، لأنها الطريقة الوحيدة لفهم حجم مشكلاتنا الفردية والطموحات التي يجب أن تكون واضحة أمامنا. فكروا في أنفسكم أولًا، ثم في البلاد. هذا هو المفتاح، وهذا هو الدور.
في النهاية، اليمن ليست مجرد وطن، بل حلم ينتظر أن يتحقق. ولكن، ما لم تستيقظ أنت من حلمك العابر، ستظل جثة تتحرك في هذه الحياة بلا أثر، بلا هدف، وبلا ذكرى تخلدك.
د. نورية الأصبحي