حضرموت بين الهبات والخيبات..  رؤية استراتيجية لتحديات الحاضر وآفاق المستقبل 

حضرموت بين الهبات والخيبات..  رؤية استراتيجية لتحديات الحاضر وآفاق المستقبل 

ماهر باوزير 

منذ الهبة الثالثة في حضرموت، لم يتغير الكثير في الوضع العام سوى زيادة معاناة الناس بسبب نقص الديزل وارتفاع أسعار السوق السوداء. في خضم هذا الواقع، يبدو أن هناك فهماً محدوداً لدى البعض لطبيعة الأزمة الحضرمية، حيث تُعامل كأنها حالة مستقلة عن السياق اليمني الأوسع وتأثيرات التحالف والقوى الإقليمية. هذا التصور غير الدقيق يؤدي إلى تحليلات غير واقعية وخطط عمل غير فعالة، مما يزيد من تعقيد الوضع ويعزز من حالة الإحباط العامة.

حضرموت، كجزء لا يتجزأ من الجمهورية اليمنية، تتأثر بشكل كبير بالسياسات الوطنية والإقليمية. محاولات بعض الفصائل المحلية للتحرك بمعزل عن التأثيرات الخارجية تُظهر فهماً سطحياً للواقع السياسي. فالتعامل مع الأحداث دون اعتبار العوامل الخارجية والإقليمية هو ممارسة للسياسة بشكل غير ناضج، مما يؤدي إلى نتائج عكسية لا تُحقق الأهداف المرجوة. إن الحراك القبلي والشعارات المرفوعة باسم حقوق حضرموت، على الرغم من أهميتها، لم تُترجم حتى الآن إلى تغييرات ملموسة على الأرض. في المقابل، هناك تحركات إقليمية ودولية تُظهر أن هناك تطورات تُجرى في الخفاء، تُعيد رسم الخريطة السياسية في اليمن، كما يتضح من الزيارات والتفاهمات التي تحدث بين أطراف الصراع.

المشهد السياسي في اليمن معقد للغاية، حيث تتداخل فيه المصالح المحلية مع الطموحات الإقليمية والتدخلات الدولية. يمكن رؤية ذلك من خلال التنسيق الضمني بين التحالف وسلطات صنعاء، والذي سمح بتحركات سياسية ودبلوماسية لم تكن ممكنة في السابق، مثل زيارة العليمي لتعز ووجود السفير الإيراني في صنعاء. هذه التحركات تشير إلى أن هناك عملية إعادة ترتيب للأوراق قد تكون غير معلنة لكنها ستكون مؤثرة على المدى البعيد.

في خضم هذه اللعبة السياسية الكبيرة، يبقى المواطن هو الضحية الأولى. فهو لا يملك أدوات التأثير في المعادلة السياسية، ولا يُمثله أي من الأطراف الفاعلة بشكل حقيقي. المواطن العادي يدفع ثمن النزاعات والتسويات السياسية، حيث يتأثر بشكل مباشر من الحرب والفساد وسوء الإدارة، ويتحمل وطأة القرارات السياسية التي تُتخذ في أماكن بعيدة عن معاناته اليومية.

للخروج من هذه الحلقة المفرغة، يجب على الفاعلين المحليين والإقليميين تبني نهج أكثر شمولية وواقعية. بناء جسور الحوار والشراكة وتعزيز التواصل بين القوى المحلية والسلطات الوطنية والإقليمية يمكن أن يساهم في فهم أفضل للتحديات المشتركة والعمل على حلول توافقية تُرضي الجميع. يجب تحسين إدارة الموارد وتقديم الخدمات الأساسية للسكان، بما في ذلك توفير الوقود والمواد الأساسية، بطريقة تُقلل من الاعتماد على السوق السوداء وتحد من الاحتكار. من الضروري أيضاً رفع مستوى الوعي بين المواطنين حول تعقيدات الوضع السياسي وأهمية المشاركة في الحياة العامة بطرق سلمية وإيجابية. كما ينبغي على القوى المحلية السعي للتفاوض بشكل أكثر فاعلية مع التحالف والقوى الإقليمية لضمان أن تكون مصالح حضرموت جزءاً من أي تسويات سياسية أو أمنية مستقبلية.

إن حضرموت، بكافة تعقيداتها وتحدياتها، بحاجة إلى مقاربة جديدة وشاملة للتعامل مع أزماتها. السياسة  تتطلب قراءة معمقة للمشهد السياسي والاقتصادي، وتفهم أوسع للتوازنات الإقليمية والدولية. لا يمكن لحضرموت أن تبني مستقبلاً مزدهراً دون العمل بتعاون وتنسيق مع كافة الأطراف الفاعلة، مع الحفاظ على مصالح المواطنين في قلب كل الجهود .